قال المصنف رحمه الله: [بل قد يموت، وصاحبه لا يشعر بموته] بعض الناس قلبه ميت منذ ثلاثين أو أربعين سنة وهو لا يدري، وبعض الناس آخر عهد قلبه بالحياة يوم أن كان على الفطرة في سنوات الطفولة، ومنذ أن شب لقن الشر وأشربه قلبه، فقلبه ميت عمره كله، لكنه لا يشعر بموته إطلاقاً.
يقول: "وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق، وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة، تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته، و:
................. ما لجرح بميت إيلام "
إذا كان لديك حيوان أو إنسان، واشتبه عليك أمر حياته وموته، فإنك تستطيع أن تختبره، فتعرف أنه حي أو ميت أو مريض.. فتتحسه بشيء في بعض المواضع الحساسة من جسده، فإن رأيته تحرك فهذه علامة الحياة، لكن إذا كنت تطعنه وتقلبه وليس فيه حركة، فهذا ميت لا فائدة منه.
بعض الناس يرضى أن يكون بوقاً من أبواق الشر والفساد، فتقول له: اتق الله..! فإن هذا حرام، وتحاول أن تتلمس فيه الحياة، وإذا بك لا تجد شيئاً، وإذا قلت له: إن ابنتك أو زوجتك تخرج سافرة كاشفة، بل ربما كانت ممثلة أو مطربة فكيف ترضى ذلك؟! فلا تجد إحساساً ولا ترى حياة؛ بل ربما كان معجباً بما هو فيه، وقلبه قد أشرب الشر والفساد.
فالقلب الذي لا يتألم بورود القبائح، ولا يتأثر بالمواعظ التي تزجره وتردعه قلب ميت، لا خير يرجى له ولا صلاح يتوقع منه، لكن الذي فيه شيء من الحياة، عندما تنصحه يقول لك: جزاك الله خيراً! فهذا فيه حياة، ويرجى له الخير، فاجتهد معه واحرص عليه، وابذل واصبر.
ولا يعني ذلك أن يترك الميت يموت إلى الأبد؛ فإن الله تبارك وتعالى يحيي الأرض بعد موتها، قال تعالى: ((
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا))[الحديد:17] وذلك حتى لا ييئس المؤمن ويقول: قد قال الله تعالى: ((
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ))[الحديد:16] فالله قال: (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فلا خير إذن فيهم، نقول: بل قال أيضاً: ((
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا))[الحديد:17] فمن جهتك -أيها الداعية- عليك أن تبذل له الخير فقد يحييه الله، لكن لابد من تشخيصك له حتى يكون العلاج صحيحاً، فالقلب الميت إذا شخصت أنه مريض فقد أخطأت، ولو شخصت أنه حي فهذه مصيبة، فلابد أن يكون التشخيص دقيقاً، ثم تبذل له العلاج المناسب، وتستعين في ذلك بالله تعالى، فالله تعالى على كل شيء قدير، فكما أنك تبذل الماء في الأرض الميتة فيحييها الله تبارك وتعالى من حيث لا تشعر؛ فكذلك عليك بذل الخير والنصح لكل القلوب.